التأثيرات السياسية لتجربة المجالس الجهوية |
تطرح التجربة الجديدة للمجالس الجهوية كثيرا من التحديات من أجل إنضاجها كتجربة ديمقراطية لا مركزية تخفف من تركز الخدمات والفرص في العاصمة بصورة تكاد تقضي على مدن البلاد الداخلية. ورغم أن الظروف التي أقرت فيها هذه المجالس ليست ظروفا مثلى لتطورها، إلا أن ذلك لا يقتضي بالضرورة أنها ستكون تجربة فاشلة لا إيجابيات لها، بل تبقى تجربة مفتوحة على احتمالات عدة ما بين نجاح جزئي يساهم في رفع التنمية المحلية وتعزيز الديمقراطية الشعبية، وما بين فشل يفاقم ضعف الانسجام الوطني بإثارة الحساسيات المحلية. ويمكن القول إن نجاح هذه التجربة وفشلها يعتمدان على ثلاثة عوامل: 1الظروف السياسية العامة للبلد، وخاصة الانتقال السلس للسلطة الذي يجنب الهزات السياسية حتى لو وقع داخل النظام 2 المنظومة القانونية التي ستحكم العلاقة بين الحكم المركزي والمجالس الجهوية، خاصة في الصلاحيات والوصاية والميزانية والموظفين المحليين 3كيفية تشكل هذه المجالس عبر الانتخابات والتحالفات القبلية والسياسية، وكفاءة من ستفرزهم هذه الانتخابات وقدرتهم على لعب دور السلطة المحلية المحايدة. من هنا تأتي أهمية دراسة هذه التجربة وخاصة الانعكاسات السياسية المباشرة لهذه التجربة سواء على المستوى القريب أو المتوسط أو البعيد
أولا: التأثيرات القريبة على المدى القريب الذي يعني الفترة الواقعة قبل إجراء هذه الانتخابات ستكون أبرز هذه الانعكاسات ما يلي: -تحويل الاهتمام إلى الداخل: فلأول مرة سيعرف الداخل هذا النمط من الانتخابات الذي يجري على مستوى الولاية ويتطلب تنسيقا بين الفاعلين المحليين على المستوى الولائي لضمان أن تكون اللائحة معبرة عن التنوع القبلي والعرقي داخل هذا الحيز الإداري، وهو ما يحتاج جهدا أكبر مما يحتاجه إعداد لائحة بلدية أو إقامة تحالف سياسي لتوزيع المناصب الانتخابية داخل المقاطعة، لذلك فإن الكثير من الجهود السياسية ستوجه إلى الداخل لضمان أخذ مكانة فيه
-التأثير على الترشحات الرئاسية: نظرا لكون هذه المجالس الجهوية عملية انتخابية متوسطة بين الرئاسيات والتشريعيات فسوف تكون أحد المقاييس التي توزن بها الشخصيات الرئاسية المترشحة سواء من حيث قدرتها أصلا على بناء أحلاف ولائية قادرة على كسب الرهان الجهوي أو قدرتها لاحقا على إقامة علاقات مع الأحلاف التي تتمكن من الفوز بهذا الرهان، ذلك أنه من المعروف أن المفتاح الرئيسي للنجاح في الانتخابات الرئاسية: كسب الأحلاف القبلية والسياسية الموجودة على المستوى المحلي ولاسيما الولائي منه. وهكذا ستتحدد حظوظ الشخصيات المتنافسة داخل الأغلبية وتلك الطامحة للحصول على دعم المعارضة في الترشح الجدي أولا والنجاح ثانيا على كسب علاقات مؤثرة مع الشخصيات المحلية التي ستفرزها هذه الانتخابات
ثانيا: التأثيرات متوسطة المدى أما على المدى المتوسط –الذي يعني الفترة الواقعة بعد الانتخابات الجهوية- فستكون نتائجه على النحو التالي: -تحديد الأحجام السياسية للأحزاب الوطنية: دأبت الأحزاب السياسية على كون الوجود في العاصمة والمدن الكبرى هو مقياس حجمها، غير أن هذه الانتخابات الجهوية ستضع معيارا آخر مهما إن لم يكن الأهم وهو الوجود المتنوع على المستوى الجهوي الولائي، وتزداد أهمية معرفة الحجم الحقيقي للأحزاب السياسية سواء منها المعارض أو الموالي إذا استحضرنا أن اللحظة الحالية لا يتضح فيها جليا حجم هذه الأحزاب؛ فالحزب الحاكم مثلا هو الآن في وضعية انتقالية لا يعرف هل ستؤثر عليه قوة أو ضعفا كما أن أحزاب المعارضة لم تشارك مجتمعة في الانتخابات منذ 12 سنة وهو ما جعل بعض أحزابها تتنافس على موقع الصدارة في المعارضة.
-تحديد الأحجام السياسية لبعض المكونات الاجتماعية: سواء كانت الفاعلين المحليين الذين يتنافسون على القيادة التقليدية أو حتى الأطراف القبلية والفئوية التي ستسعى كلا منها إلى إثبات مكانتها، خاصة تلك التي تسعى لاستغلال كونها أغلبية في بعض الولايات ونشير هنا بشكل خاص إلى مساعي الحراطين إلى ترجمة وجودهم القوي في عدد من الولايات على نحو يقضي على التهميش الكبير الذي يتعرضون له في توزعة المناصب الانتخابية المحلية.
ثالثا: التأثيرات بعيدة المدى أما على المدى البعيد فستكون التداعيات السياسية لهذه المجالس الجهوية منصبة على علاقتها بالمركز من الناحية السياسية والإدارية وهو أمر يتحمل كثيرا من السيناريوهات تبعا للتطورات السياسية والخطوات الإدارية المحتملة ومن هذه الاحتمالات: -ضعف اعتماد الداخل على العاصمة في حالة جاءت المراسيم المطبقة للقانون في اتجاه مزيد من إعطاء الاستقلال المالي و الإداري لهذه المجالس -احتمال زيادة النفس الفدرالي مع ممارسة الجهات الداخلية للسلطة وتعودها عليها -تركيز النزعات الجهوية وخاصة في ولايات الضفة وكذلك الولايات الشرقية في حالة عدم تولي أحد أبنائها للرئاسة.
ملخص والخلاصة التي توجز ما تقدم هي أن المجالس الجهوية تجربة تتطلبها ظروف البلد حاليا لحل الاختلال بين العاصمة والداخل، إلا أن الطريقة التي أنشأت بها تفرغها من مضمونها وتجعل من الوارد تحولها إلى جزء من المشكل السياسي العام، هذا ما لم تتعاون الأطراف السياسية على إنجاز اتفاق سياسي عام يأخذ في الاعتبار أهمية هذه المجالس.
|