المركز ينظم ندوة عن "مكانة موريتانيا الخارجية وحضورها الدبلوماسي" |
نظم المركز مساء أمس السبت 6-08-2016، ندوة بنواكشوط تحت عنوان: موريتانيا... المكانة الخارجية والأداء الدبلوماسي، بمشاركة عدد من الباحثين في التاريخ السياسي والعلاقات الدولية.كما حضرت الوزيرة السابق والمكلفة بمهمة في الوزارة الأولى مكفولة بنت آكاط ممثلة للوزارة الأولى والأمين العام لمؤسسة المعارضة إدومو ولد عبدي ولد الجيد.
الكلمة الافتتاحية كانت مع رئيس المركز الموريتاني للدراسات الذي رحب بضويف المركز أشد الترحيب وقدم للموضوع من خلال إثارة مجموعة من النقاط هي محاور الندوة. فقد أشار إلى أن مكانة أي دولة في الخارج هي انعكاس لحالتها وواقعها في الداخل، فالدول القوية اقتصاديا وبشريا والمنظمة سياسيا وإداريا لابد أن تكون ذات وزن ومكانة لدى نظيراتها في المجتمع الدولي وكذلك الدول الهشة داخليا ستكون في الخارج أقل قيمة لاشك... ليضيف أن هذه القاعدة لها استثناءات في الحالة الموريتانية : فالاستثناء الأول : ما شيده سفراء شنقيط الأوائل لهذه البلاد من سمعة ومكانة على حين كانت أوضاع البلاد الداخلية صعبة جدا. الاستثناء الثاني :فهو ما شهدته موريتانيا إبان فترة استقلالها الأولى من حضور دولي ملحوظ، وقد كانت داخليا من الضعف والهشاشة بمكان...الخ وأضاف ولد الصديق أن التسليم بهذا الاستثناء يوحي بأن البعد (الموضوعي) الذي تجسده القاعدة المذكورة، ليس هو المؤثر الوحيد في تجسيد مكانة الدول في الخارج قوة وضعفا وإنما هناك عامل آخر (شخصي) لا يمكن إهمال أثره في بناء أو هدم الأمجاد الخارجية لأي أمة.... وعلى كل حال فإن مما لا شك فيه أن لدى موريتانيا من الأرصدة المعنوية و المقومات الذاتية والثقافية والاقتصادية والجو ستراتيجية...ما يمكنها من احتلال مكانة كبيرة في محيطها الإقليمي وشبه الإقليمي، على الأقل إن تم استثمار واستغلال تلك المقومات بكامل طاقتها وعلى وجهها السليم... وقد اخترنا في هذه الندوة أن نتناول كلية الخارج وأن نتجافى قليلا عن قضايا الداخل، نظرا لكثرة النقاش في هذه الأخيرة ونظرا كذلك لقلة الحديث عن شؤون الخارج على أهميتها وحيويتها، وبحثا ( وهو الأهم) في قضايا الخارج عن المشتركات والثوابت المفقودة في ما يتصل بشؤون الداخل...الخ وفي الختام أشار ولد الصديق إلى أن الحالة المدروسة في هذه الندوة ليست خاصة بنظام ولا فترة سياسية بعينها وإنما هي رصد وتتبع لمسيرتنا الدبلوماسية- بشقيها الرسمي والشعبي-عبر محطاتها المختلفة، وتقويم للنتائج التي أو صلتنا إليها.
تناول المحور الأول موريتانيا والمحيط الإفريقي الأستاذ الباحث سيدي أعمر ولد شيخنا الذي افتتح كلمته بالتذكير بأهمية الوعي بالموقع الجوستراتيجي لموريتانيا (العالم العربي-الإفريقي- الصحراوي)، واعتبر أن هذا التموقع هو ما مكن من قيام الدولة المرابطية التي ساهمت في فتوحات غرب إفريقيا وتوسعت في الشمال حتى إسبانيا وأضاف ولد شيخنا: أن موقع موريتانيا مهم للربط بين شمال وغرب إفريقيا وهو ما دفع فرنسا لاحتلال هذه البلاد والربط بين مستعمراتها، من ناحية أخرى فإن الموقع الجغرافي هو الذي مكن أهل هذا البلاد في لعب دور حضاري وثقافي ( المدن التاريخية وتنبكتو ...الخ ). كما ان كل الدول والحركات الإصلاحية التي قامت في افريقيا كانت لها علاقات وصلات بالمحيط الشنقيطي كما أشاد ولد شيخنا بسياسة المختار في الستينات والسبعينات حيث أرسل البعثات دبلوماسية التي كان لها دور مهم في فتح المشرق والخليج العربي للإتيان باستثمارات قوية لموريتانيا.
وختم لد شيخنا حديثه بالقول أن الافارقة هم من دافع ووقف مع موريتانيا في استقلالها بعد أن رفضته الجامعة العربية. واقترح أن تتم مراجعة علاقتنا بالمحيط الإفريقي وأن تؤسس الدولة كرسيا متخصصا بالدراسات الإفريقية وتزيد من تمثيلنا الدبلوماسي بهذه البلدان خاصة أنها اليوم قوة لا يستهان بها. كما أقترح كذلك أن يتم تحديث مطار النعمة وجعله حلقة وصل بين موريتانيا والبلدان الإفريقية..
وقدم المحور الثاني (موريتانيا والعالم العربي ..المكانة والحضور) السفير السابق المختار ولد داهي وافتتحه بالقول أن السفارة العلمية سبقت تأسيس الدولة في موريتانيا، من خلال العلماء الشناقطة الذين مثلوا البلد احسن تمثيل فكانوا أئمة وقضاة وحتى سفراء لبعض الدول في محافل دولية كبيرة، وذكر أمثلة عدة في بهذا الخصوص. ودعا إلى استثمار العلاقة "التفضيلة" - كما يسميها- التي تميز بلادنا وتجعلنا حلقة وصل بين الأفارقة والعرب، والتي تشكلت عبر تاريخ مديد من الفتوحات التي شارك فيها الشناقطة و هناك كذلك دور مهم للعلاقات الروحية بين موريتانيا والجوار الإفريقي واليوم علينا أن نستثمر هنا التقارب والتقاطع الفكري لنؤسس لمكانة موريتانيا اليوم. وأضاف السفير ولد داهي :لاشك أن أول حضور للدولة كان مناصرة القضايا العادلة عموما و والعربية والإفريقية خصوصا وكانت القضية الفلسطينية و ماتزال قضية مركزية لموريتانيا، وأضاف كما لا يخفى على أحد أن التمويلات العربية تمثل 80 بالمائة من التمويلات التي تقدم لموريتانيا ، فالعرب يبذلون جهودا كبيرة جبارة لإعانة موريتانيا وهو ما لا ينبغي إغفاله. وقال ولد داهي: "هناك إخفاقات أو جوانب مازالت الدبلوماسية عاجزة عن فتحها، فموريتانيا لم تفلح في فتح ميادين العمالة الفكرية وكذا أسواق الشغل العربية للموريتانيين، لذا فغياب النخب الموريتانية عن الهيئات العربية المشتركة ظل بارزا فبالكاد تجد تمثيلا لها في هذه الموسسات وهو أمر مستغرب" وختم ولد داهي بجملة مقترحات منها :أن تقود موريتانيا أمانة لدعم العمل العربي الإفريقي لاستثمار وضعيتنا التفضيلية،كما أن عليها العمل على تنشيط الاتحاد المغاربي ، واستثمار رئاستنا للجامعة العربية.
وتناول المحور الثالث (التمثيل الشعبي ..رافد الدبلوماسية الشعبية) الدكتور عبد الودود ولد عبد الله حيث قدم للموضوع بقوله أن: التمثيل الشعبي هو السفارة العلمية التي كانت تعرف بالبلد وتمثله في العالم العربي وإفريقيا، ولكن قبل ذلك من حق الجميع أن يتساءل عن أهداف ورسالة الدبلوماسية الموريتانية فمن دون تحديد هذه الأهداف وهذه الرسالة فلا يمكن تحقيق أي شيء خصوصا على مستوى بناء الصورة في الخارج والخروج من درك الصورة النمطية إلى صورة ديناميكية. وأضاف ولد عبد الله أن مما لا شك فيه أنه كانت هناك سفارة عالمة لموريتانيا خصوصا في المشرق العربي حيث اشتهر كثير من العلماء خلال فترة الاستعمار وينبغي أن نوسع دائرة اهتمامنا لتشمل العلماء من الصحراء الكبرى إلى علماء الضفة مثل صالح الفلاني الذي كان له صيت وشهرة واسعة في المشرق ومثل أحمد بابا التمبكتي الذي هُجّر قسرا وكان منارة علم في المغرب، من بين نماذج كثيرة أخرى. كما أن العلماء الشناقطة في المشرق كان من بينهم من لعبوا أدوارا بارزة في النهضة العربية من أمثال ولد التلاميد (كان مساعدا لمحمد عبده) ومحمد فال الخير (فتح العديد من المدارس في العراق والكويت) وأحمد بن الأمين (رائد الأدب العربي الإقليمي والرد على المستشرقين). وختم ولد عبد الله بقوله :ولكن ينبغي أن نتساءل: لماذا تراجع دور العلماء الموريتانيين في الحقب اللاحقة؟ ويمكن أن نجد جزء من الإجابة في السياسة الاستعمارية التي فرّقت بين مكونات المجتمع وعزلتها عن بعضها البعض كما عزلتها عن التأثر والتواصل مع الخارج مما نتجت عنه غربة لعلماء موريتانيا عن ما يدور في العالم العربي. واستعادة هذا الدور تتطلب إصلاحا ثقافيا عميقا.
وحضر للندوة عدد كبير من المثقفين والسفراء السابقين عقب عدد منهم على المحاضرات التي قدمها الضيوف. |