إدارة سياسة الهجرة في الجمهورية الإسلامية الموريتانية/دكتور مساهل عبد الرحمن* |
الملخص تعتبر موريتانيا من ضمن دول القارة الإفريقية التي تعاني بحدة من مشاكل الهجرة، لحساسية موقعها الجغرافي، و هشاشة الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية فيها.كما أنها ليست دولة مرسلة فقط للمهاجرين، وإنما هي دولة عبور واستقبال، وهذه الوضعية ربما تكون خاصية موريتانية من بين أغلبية دول القارة الأفريقية الأخرى . والملاحظ أن الحكومة الموريتانية تعمل جاهدة من أجل تبني وإنجاح سياسة موحدة وفعالة فيما يخص ملفات الهجرة، لكن ذلك ليس بالأمر الهين. والسبب راجع طبعا لعدة عوامل اقتصادية وديموغرافية واجتماعية وسياسية عديدة. ورغم ذلك فموريتانيا سنت العديد من القوانين والمراسيم المنظمة للهجرة الداخلة والخارجة من أراضيها، وتبنت العديد من البرامج الرسمية بل وشجعت البرامج غير الحكومية في إطار الجهود الأممية والبرامج الإنمائية. والأكثر من ذلك أنها صادقت على العديد من الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف. وأنشأت وزارة منتدبة خاصة بالموريتانيين في المهجر، وذلك سابقة جديدة في المنظومة الوزارية الموريتانية. والأمل معقود من طرف السلطات على إنجاح الجهود المبذولة حاليا ومستقبلا، رغم أن الطريق ليس مفروشا دائما بالورود !!! الكلمات المفتاحية: الهجرة غير النظامية، الهجرة العابرة ، سياسات الهجرة، العمالة المهاجرة،
مقدمة: موريتانيا من الدول البارزة من الناحية الجغرافية في الجهة الغربية للقارة الإفريقية، فهي منذ القدم عرفت على أنها صلة الوصل بين إفريقيا جنوب الصحراء والضفة الجنوبية الغربية للبحر المتوسط أو ما يعرف بالمغرب الأقصى. وما يميزها هو موقعها المتميز بالنسبة لباقي دول الداخل الإفريقي، فهي كانت معبرا في القديم لطرق القوافل التجارية القادمة من العمق الإفريقي والمتجهة إلى الساحل الشمالي لإفريقيا. وهي الآن معبرا مهما كذلك بالنسبة لقوافل المهاجرين، وخاصة المهاجرين غير الشرعيين أو ما أصبح يطلق عليها حديثا بـ"الهجرة غير النظامية " أو "الهجرة السرية ". حيث سجلت وزارة الخارجية الموريتانية سنة 2008وجود حوالي 319 382مهاجر موريتاني يعيش خارج البلد. منهم حوالي 7 942طالب يزاولون دراستهم في الخارج، و 5 295آخرون هم عبارة عن مهاجرين أجانب متواجدون على الأراضي الموريتانية باعتبارها منطقة عبور إلى الشمال ومنها إلى أوروبا. ومن الخصوصيات التي تتميز بها موريتانيا كذلك، أن الهجرة إليها تتم من أجل الحصول على الأوراق لاستخدامها في الهجرة من جديد إلى الضفة الأخرى من المتوسط، وكذلك لدول أخرى في الخليج والمشرق العربيين. حيث تستقبل شهريا ما بين 49000و50ألف أي ما يعادل سنويا 600ألف مهاجر، قادمين في أغلبيتهم من الدول الإفريقية، خاصة من منطقة غرب إفريقيا وبشكل عام من دول إفريقيا جنوب الصحراء[1]. وفي ظل الرهانات الحديثة التي تواجه التنمية في البلاد وخاصة فيما يتعلق بإدارة ملف الهجرة، تبرز إشكالية الهجرة السرية بشكل بارز. خاصة وأن موريتانيا مثلها مثل باقي بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، تتلقى ضغوطات سياسية واقتصادية من طرف دول الاتحاد الأوروبي فيما يخص محاربة الهجرة السرية والأمن في الساحل. ولذلك يمكن إبراز أهم السياسات التي انتهجتها الحكومة المووريتانية في العشريات الأخيرة فيما يخص إدارة ملف الهجرة، وهل كانت تلك السياسات بالفاعلية المطلوبة التي تصب في المصلحة الوطنية للبلد؟
أولا- المقاربة القانونية لملف الهجرة في موريتانيا: إن الدخول إلى الأراضي الموريتانية ليس بالأمر الصعب مقارنة بدول المغرب العربي، ذلك أنها لم تحدد نقاط إجبارية لدخول الأجانب إلى أراضيها، إلا في شهر ماي 2010، حيث حددت وزارة الداخلية الموريتانية 39نقطة حدودية كمنافذ للدخول والخروج من أراضيها. كما أنها ترتبط بالعديد من الاتفاقيات مع الدول الأفريقية، تسمح لمواطني البلدان المعنية بالتنقل بحرية ببطاقات الهوية الوطنية، خاصة دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا. ويرى بعض الباحثين[2]، أن موريتانيا لم تتبنى بعد سياسة واضحة لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية التي باتت تؤرق كل دول العالم، وكل ما هناك هو محاولات من السلطات الموريتانية المتعاقبة لتنفيذ تعليمات الدول الأوربية للحد من استخدام المهاجرين لأراضيها كجسر عبور إلى أوروبا، وخاصة اسبانيا وفرنسا. كما أن ملف الهجرة في غالبية الأحيان لا يدار من جهة رسمية واحدة، بل يتبع في وصايته لعدة جهات حكومية عديدة يأتي على رأسها : وزارة الداخلية، الخارجية والدفاع وتشاركهما وزارات التكوين المهني والتشغيل ووزارة الأسرة والشؤون الاجتماعية، الأمر الذي ينجر عنه بعثرة الجهود الرسمية واستنزاف الموارد البشرية والمالية الشحيحة أصلا. ويفقد السلطة الحاكمة القدرة على ضبط سياسة موحدة للملف، كما يزيد من عدم انسجام الإجراءات المتخذة لمعالجته. إن المتتبع لشأن الهجرة وسياساتها منذ بداية استقلال البلد، يلحظ وجود جهود قانونية معتبرة فيما يخص التعليمات والقوانين التي حاولت تأطير وتنظيم حركات تنقل، دخول وخروج الأفراد والعمال واللاجئين وعابري الحدود من المهاجرين بمختلف فئاتهم ووجهاتهم. وأهم القوانين والمراسيم الصادرة في هذا الشأن، المرسوم 62.160الصادر في 12/07/1962الخاص بتنظيم إجراءات الحصول على وثائق السفر. ثم تبعه مرسوم آخر خاص بإجراءات الحصول على تأشيرات السفر تحت رقم 62.169، وتلاه بعد سنتين صدور مرسوم خاص بنظام الهجرة في موريتانيا بتاريخ 15/12/1964. تبعه مباشرة بعد سنة أي في 23/02/1965، قانون 65- 046المتعلق بالأحكام الجزائية الرادعة للأشخاص الداخلين أو المقيمين في موريتانيا بطرق غير قانونية، وكذلك بالنسبة للمساعدين على ذلك من المواطنين الموريتانيين أو الشبكات المختصة. ويشمل كذلك حق التمثيل للجالية في المجالس النيابية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي[3]. وبعد ثلاث أيام فقط تم صدور قانون آخر تحت رقم 65- 053 بشأن تحديد معدلات رسومإصدار بطاقات الإقامة وتأشيرات الدخول والإقامة في موريتانيا.وتم تعديل المرسوم 64.169بمرسوم آخر يحمل الرقم64.169الصادر في08/07/1965. وفي سنوات السبعينات من القرن الماضي، وبالضبط في 19أفريل 1974تم صدور مرسوم74.092 ينص حول تنظيم تصريحات العمل والهجرة، ويحدد شروط عمل اليد العاملة الأجنبية، وتأسيس تصاريح عمل تمنح لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها العمال الموريتانيين. من خلال الشروط التي تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات الثنائية والعلاقات الاجتماعية التي يمكن أن تنشأ بين هؤلاء المهاجرين والمواطنين الموريتانيين، في اطار قانون العمل الموريتاني.
القانون رقم 2004-017الصادر بتاريخ 6جويلية 2004المتضمن مدونة الشغل؛ بيّن كيفية الحصول على تصريح لعقد العمل بالنسبة للأجانب، ويتم منح تلك التصاريح لفترات مختلفة تبعا لأوضاع العمال في ثلاث فئات مختلفة[4]: التصريح (أ) يسمح بالحصول على عمل مؤقت أو موسمي لا يتجاوز السنتين. التصريح (ب) يسمح للرعايا الأجانب المقيمين بصفة دائمة بالحصول على عقد عمل لمدة أربع سنوات، ويتم الطلب من طرف صاحب العمل بنفسه. وأخيرا التصريح (ج) الذي يسمح لكل أجنبي مقيم بصفة متواصلة والذي عمل لأكثر من 10سنوات ويحوز شروط معينة (متزوج من مواطن(ة) موريتاني(ة))أن يحصل على عقد عمل في أي مجال وبدون فترة زمنية محددة، وبطلب دائما من رب العمل. على كل حال، فالمشرع الموريتاني لم يكتف فقط بالحالات السابقة وإنما تعدى ذلك إلى حماية حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق اللاجئين. وتجلى ذلك في المرسوم 2005-022 الذي حدد شروط تطبيق الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللاجئين، كما تم على أساسه إنشاء اللجنة الوطنية الاستشارية حول اللاجئين(CNCR). وتم كذلك صدور قانون خاص بمنع الاتجار بالبشر وكل أشكال الاستغلال وسوء المعاملة غير الإنسانية سواء للمقيمين بالتراب الموريتاني، أو المهاجرين العابرين الى وجهات أخرى. وفي 16أفريل2008تم إقرار مرسوم متعلق بشروط العمل لليد العاملة الأجنبية، وسمح بالحصول على تراخيص عمل تتفاوت حسب المدة الممنوحة وحسب الحالات الموجودة. وفيما يخص الإطار العام للتعاون و الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الحكومات الموريتانية المتعاقبة، فقد بدأت بوادرها في سنة 1985بتبني إستراتيجية تعاون مع المجموعة الأوروبية. وذلك في إطار البرنامج الإرشادي الوطني وبتمويل خاصة من الصندوق الأوربي للتنمية. ثم تبع ذلك توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية بدءا من اتفاقية تنقل وإقامة الأشخاص الموقع عليها مع الجارة مالي سنة 1963، ومع الجزائر 1996وفرنسا في عام 1992. وكذلك بشأن تنقل وإقامة اليد العاملة، حيث تم الاتفاق مع السنغال سنة 1972، والجزائر في 2004واسبانيا سنة 2007. وتم في هذا الإطار الاتفاق كذلك مع العديد من دول غرب إفريقيا في إطار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO) والتي أقرت اتفاقية خاصة بحرية تنقل الأشخاص والإقامة. لكن موريتانيا انسحبت رسميا من المجموعة سنة 1999. وفي جوان 2000،تم التوقيع في كوتونو على وثيقة خاصة بالمهاجرين بين الاتحاد الأوروبي و 79دولة من دول إفريقيا، الكراييب والباسيفيك (ACP)تشمل موريتانيا كذلك. تبع ذلك توقيع اتفاقيات أخرى مع اسبانيا سنتي 2003و 2006، شملت اتفاقيتي الرقابة على تدفقات الهجرة وبرنامج العودة. وتم بعد ذلك بعام توقيع اتفاق ثلاثي مع السنغال والمفوضية السامية للاجئين، من أجل العودة الطوعية للاجئين الموريتانيين من السنغال . وبالنسبة لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحماية حقوق العمال المهاجرين وأسرهم التي تم إقرارها في 18/12/1990، فقد وقعت عليها موريتانيا في 17/07/2003. وابتداء من 2008تم التعاون بين موريتانيا والاتحاد الأوربي في مجلات عدة تخص الهجرة، منها تمويل الكثير من برامج مراقبة الحدود البرية والبحرية الموريتانية، وتدريب العاملين في المؤسسات الرسمية الموريتانية العاملة في مجال مكافحة الهجرة السرية والاتجار في البشر. كما تم التوقيع على العديد من البروتوكولات الثنائية مع كل من فرنسا واسبانيا في هذا المجال.
ثانيا – الجهات الرسمية والمؤسسات المهتمة بملف الهجرة من المهم التعرض للمؤسسات الرسمية وشبه الحكومية المعنية بملف الهجرة، وذلك بهدف تحديد الجهات التي تقرر السياسات الرسمية والتوجيهات والقرارات المتخذة في هذا الشأن. ومن المعروف أن موريتانيا عرفت الكثير من التغييرات السياسية والانقلابات العسكرية التي فرضت تغييرات أحيانا جذرية في الأطقم الحكومية وأحيانا تغييرات جزئية تمس بعض الوزارات والقطاعات الحكومية. فلقد تم خلق كتابة دولة مكلفة بالموريتانيين بالخارج سنة 2008، ثم اختفت بعد شهرين من التعديل الحكومي لكنها عادت في التعديل الحكومي الأخير في فيفري 2014تحت مسمى الوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون المكلفة بالموريتانيين في الخارج. وعلى أعلى المستويات، يمكن أن نبرز جهودالرئاسة الموريتانية في إنشاء جهاز تابع للأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، مكلف بتسيير اللجنة الوزارية حول عودة اللاجئين الموريتانيين من مالي والسنغال. وكذا الوكالة الوطنية لدعم وإدماج اللاجئين(ANAIR).التي تختص برعاية وإعادة إدماج هؤلاء اللاجئين العائدين خاصة من الدولتين وتوفير متطلباتهم الأساسية. وعلى المستوى الوزاري، فتحاول الحكومة الموريتانية إيجاد صيغة موحدة لتسيير ملفات الهجرة وطلبات اللجوء، وكذا الهجرة العابرة والهجرة غير الشرعية (السرية) وغيرها. وتتوزع الأدوار بين العديد من الوزارات والأجهزة الحكومية المختلفة، فكل وزارة تهتم بمسألة الهجرة في إطار اختصاصاتها وصلاحياتها. وأهم الوزارات التي تهتم بمسألة الهجرة[5] نجد: - وزارة الداخلية واللامركزية:وتهتم أساسا بالمسائل الأمنية الخاصة بإدارة ومراقبة تدفقات الهجرة، فيما يخص دخول وخروج المهاجرين. وكذلك دراسة ملفات طالبي اللجوء والإشراف على تسيير اللجنة الوطنية الاستشارية حول طلبات اللجوء والموريتانيين العائدين من الخارج. هذه الهيئة تتعامل بشكل جدي مع الملفات المقدمة بشأن طلبات اللجوء، وتحيلها إلى الجهات المختصة للبت فيها. - وزارة الخارجية والتعاون: وتتكلف بالموريتانيين بالخارج من خلال القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية في كل البلدان التي تقيم معها علاقات أو تحتوي على جالية موريتانية مقيمة، والإشراف على التطبيق الجيد للاتفاقيات الموقعة في هذا الشأن. - وزارة الوظيفة العامة والشغل:وتتكفل بهجرة العمالة سواء المغادرة أو الوافدة وتحاول تبني استراتيجيات خاصة بهجرة اليد العاملة لكن للأسف لم يتم تفعيلها بشكل جدي. - وزارة الدفاع الوطني: ومهمتها مراقبة الحدود البرية والبحرية لموريتانيا ومنع تسلل المهاجرين السريين نحو جزر الكناري والمملكة المغربية من خلال المنافذ المختلفة. - وزارة العمل والإدماج والتكوين المهني: وتتمثل مهمتها الأساسية في تطبيق تشريعات العمل بالنسبة لليد العاملة الأجنبية وتنظيم التحاق الشباب الموريتاني الراغب في الهجرة بالوظائف خارج البلد، وذلك برعاية الوكالة الوطنية للتشغيل والشباب (ANAPEJ). - وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية: ومهمتها وضع ومتابعة الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية خاصة السياسة الوطنية المتعلقة بالسكان. وبخصوص الجهات شبه الرسمية[6] المهتمة بملف الهجرة، نجد بعض المؤسسات على غرار الديوان الوطني للإحصائيات (ONS)ومهمته جمع وتحليل البيانات والمعطيات حول الخصائص الاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية، خصوصا ما يتعلق بمسألة الهجرة. وذلك بالاستعانة بالإحصاء الرسمي العام للسكان، وكذا بالدراسات المسحية للأسر والمؤسسات المختلفة. ففي 2008تم إنشاء بمشاركة الحكومة الموريتانية والمنظمة العالمية للهجرة جهاز أطلق عليه المجموعة الفنية الوطنية (GTTN) انحسرتمهمته فيدعم والتحقق من صحة تطوير الملف الوطني للهجرة. وفي هذا الصدد، لا يمكن إغفال الجهود والأدوار التي تلعبها جمعيات المجتمع المدني، سواء على مستوى التراب الوطني أو في الخارج. ومن أهم الجمعيات الناشطة في مجال الهجرة والاهتمام بشؤون الجالية على اختلاف تخصصاتها، خاصة الطلبة والكفاءات التي تعيش في الخارج، نجد الجمعية الموريتانية لمكافحة الهجرة غير الشرعية (AMLII)هذه المنظمة هي عضو في الجمعيات الإفريقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية (UAALEI). وبالنسبة للرابطات والاتحادات الطلابية في الخارج يمكن أن نذكر[7]: رابطة الطلاب الموريتانيين في السنغال (AEMS)، اتحاد الطلبة والمتدربين في المغرب (UNEM)، الرابطة الُثقافية الموريتانية في ألمانيا (KMVD)،الجمعية الثقافية لطلاب موريتانيا في فرنسا (ACEM)،اتحاد الطلبة الموريتانيين في الجزائر (UEMAL)،اتحاد الطلبة والمتدربين الموريتانيين بالجزائر (AEMALG)ورابطة موريتانيا للتعليم، وغيرها من الجمعيات التي لا يمكن حصرها في هذا المجال الضيق. على كل حال يمكن القول أنه رغم وجود العديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بشؤون الهجرة والمهاجرين، إلا أننا نلاحظ أن الجهات الرسمية والحكومية ركزت على موضوع الهجرة غير الشرعية. وحاولت توجيه جهودها في مكافحتها والحد من استفحال خطرها، خاصة نتيجة الضغوط التي تتعرض لها من طرف دول الجوار والاتحاد الأوروبي، وبخاصة اسبانيا وفرنسا المتضررين الأساسيين من هذه الظاهرة. ثالثا- الإطار التنظيمي للهجرة في موريتانيا: كما قلنا في السابق، ورغم تعدد الترسانة القانونية والمؤسساتية في موريتانيا فيما يخص مسألة الهجرة، إلا أننا نلحظ ضعفا وعدم اهتمام جدي بإحداث سياسة واضحة ومحددة لمسألة الهجرة. والشيء الملفت أن البرامج المقترحة في مجملها لا ترقى إلى الاهتمام بفئة مهمة جدا، وهي فئة الكفاءات وذوي المهارات العلمية والفنية الوطنية المقيمة بالخارج. فقضايا إدارة هجرة الكفاءات كانت ولا زالت غير ذات أولويةبالنسبة للحكومة الموريتانية، على الرغم من أن البلاد تبنت العديد من البرامج والسياسات التنموية، منها الإطار الاستراتيجي لمكافحة الفقر (2006- 2010) والخطة الثلاثية للتنمية (2008- 2010). إذا فالهجرة لم تعتبر مسألة إستراتيجية ذات بعد قومي،لذا فان مخططات تسيير وإدارة الهجرة ارتكزت في العديد من محاورها على إدارة وتسيير تدفقات المهاجرين فقط، وذلك بتعزيز الحماية على طول الحدود البرية والبحرية للبلاد[8]. ومن أهم المهام والخطط التي اقتصرت عليها الجهات الرسمية الموريتانية في ملف الهجرة، يمكن أن نذكر: ü تشجيع الهجرة المؤقتة أو الموسمية للعمال الموريتانيين (وخصوصا مع الدول الأوروبية مثل اسبانيا ودول الخليج العربي)؛ ü ضمان تنفيذ مخططات لدعم عودة وإعادة توطين اللاجئين الموريتانيين (على سبيل المثال، تم تنظيم عودة اللاجئين الموريتانيين في السنغال ومالي منذ عام 2008) ؛ ü وضع برامج عامة لقبول المهاجرين، وإصدار شهادات الإقامة والعمل للرعايا الأجانب؛ ü تطوير خطط عمل لجذب العمال المهاجرين في قطاعات اقتصادية محددة (الخدمات، صيد الأسماك، والتعليم) لضمان مشاركتهم في التنمية الاقتصادية المحلية؛ ü تقوية السبل الكفيلة بإدارة وتسيير الحدود البرية والبحرية، وكذا الحد من ارتفاع حركة الهجرة غير القانونية والعابرة للحدود؛ ü خفض تعداد المهاجرين غير الشرعيين من خلال إجراءات التسوية القانونية والإبعاد؛ ü تحديد طالبي اللجوء المتواجدون على الأراضي الموريتانية، وتحديد حالات وظروف إقامتهم؛ ü تعزيز السيطرة على الحدود البرية والبحرية لمحاربة الهجرة غير الشرعية والعبور، مع تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين غير شرعيين في مراكز العبور (مثل تحسين الأوضاع في مخيم الحجز في نواديبو)؛ وكذلك من المبادرات الهامة في مجال مساعدة الكفاءات المهاجرة ، كانت خاصة من جمعيات وشبكات دولية للمهنيين والطلاب، اهتمت أساسا بتقديم المساعدة للموريتانيين المقيمين في الخارج، وإقامة روابط بينها وبين الوطن (مثلا: الجمعية الثقافية للطلبة الموريتانيين (ACEM))؛ وتشجيع المغتربين على المشاركة في التنمية المحلية للبلاد و في المساهمة في السياسة الوطنية. ولا يمكن غض النظر كذلك عن بعض المبادرات المحلية للمجتمع المدني، خاصة ما تقوم به الجمعية الموريتانية لمكافحة الهجرة غير الشرعية (AMLII)،التي تسعى إلى توعية المواطنين بالأخطار المترتبة عن الهجرة غير القانونية. وذلك باستهداف المهاجرين السريين المحتملين، وكذا توعية الجمهور والمسئولين الحكوميين بضرورة إعادة إدماج اللاجئين الموريتانيين في المجتمع. بالإضافة إلى تقديم المساعدة إلى الفئات الضعيفة من المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين وطالبي اللجوء (مثل الهلال الأحمر الموريتاني). إن الشيء الملفت هنا هو غياب إستراتيجية وسياسة موحدة لإدارة وتنسيق مسائل الهجرة بين مختلف المؤسسات والأجهزة الحكومية المهتمة بالمسألة في موريتانيا. ولا يتعدى ذلك سوى بعض العمليات والتدخلات الحكومية في تنظيم مسائل دخول وخروج الأشخاص للبلاد، وكذا سن بعض القوانين الخاصة بمكافحة الهجرة السرية، وعقد بعض الاتفاقيات في هذا المجال خاصة مع بعض الدول كاسبانيا وفرنسا. وتمحورت التدخلات الحكومية في السنوات الأخيرة على: - فيما يخص الهجرة غير الشرعية، والهجرة العابرة من الجنوب إلى الشمال. فقد قامت السلطات الموريتانية بتعزيز مراقبتها لحدودها البرية والبحرية، وذلك بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وخاصة اسبانيا لمواجهة ظاهرة الهجرة السرية المتجهة أساسا إلى جزر الكناري الأسبانية في انتظار التوجه إلى أوروبا مباشرة. في هذا السياق يتم تعاون اسباني- موريتاني لتحسين ظروف مركز الاحتجاز في نواديبو الذي تعرض لعدة انتقادات من قبل جمعيات حقوق الإنسان. - وفيما يخص الجالية الموريتانية في الخارج، يجب التنويه بإحداث سكرتارية دولة مكلفة بالموريتانيين في الخارج في 2008، وتلى ذلك بشكل جدي تعيين وزيرة في فيفري 2014على رأس الوزارة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون المكلفة بالموريتانيين في الخارج. وهذا تطور مهم يعكس جدية الحكومة الموريتانية لترقية والاهتمام بشؤون المغتربين والجالية الموريتانية في الخارج، خاصة وأن التحويلات المالية المرسلة من طرفهم، يمكن أن تساهم ولو جزئيا في تخفيض نسبة الفقر في البلاد إذا أحسن استخدامها. وربما تكون قاطرة مهمة للتنمية الاقتصادية وتحريك الاقتصاد في المستقبل.
- فيما يخص برامج العودة الموجهة إلى الموريتانيين اللاجئين منذ 1989إلى السنغال ومالي، فقد تم الانطلاق فيها سنة 2008. واستفاد منها حوالي 7000شخص بعد مرور عام فقط. وفي هذا الإطار تعمل الوكالة الوطنية لدعم ودمج اللاجئين (ANAIR)على تنظيم ومتابعة العملية. في الأخير يمكن القول أن الجهود الحكومية الموريتانية فيما يخص إدارة الهجرة، لم تأخذ بمحمل الجد في مبادراتها وبرامجها العامة مسألة مهمة جدا، وهي مسألة هجرة الأدمغة وعودة الكفاءات. التي تعتبر في الوقت الراهن قضية ذات بعد استراتيجي مطلوب لإحداث قفزة نوعية في درب الرقي والتنمية الاقتصادية المنشودة من كل دول العالم. أو على الأقل تشجيع الجالية الموريتانية المقيمة بالخارج ومرافقتها في مجال الاستثمار والاستفادة من التحويلات المالية عبر طرق واطر قانونية رسمية.
إن موريتانيا ورغم العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها، تعاني من ظاهرة سوسيو-اقتصادية جعلتها في العديد من المناسبات تدق ناقوس الخطر. فالهجرة السرية، ومشكل الأمن في الساحل، ومطاردة شبكات التهريب والمافيا وغيرها....جعلتها فضاء مفتوح لكل أنواع الاتجار في السلاح وتهريب البشر، وتنشيط شبكات الهجرة السرية وغيرها. لكن ورغم كل ذلك لم تبقى الحكومة الموريتانية مكتوفة اليدين، في ظل الضغوط التي تتعرض لها من الكثير من دول الجوار، والاتحاد الأوروبي، خاصة في مسألة السيطرة ومعالجة مشكل الهجرة السرية. لذلك نجد أنها تبنت العديد من البرامج، وتم إحداث العديد من الأجهزة والمؤسسات وكذا سن بعض القوانين في هذا المجال. على كل حال ففي رأينا أن الحكومات المتعاقبة، لم تولي أهمية كبرى لإحداث إستراتيجية موحدة وفعالة لإدارة كل ملفات الهجرة وتبعاتها من مركز واحد، تعطى له جميع الصلاحيات القانونية الممكنة. وذلك راجع ربما لنقص الإمكانيات المادية واللوجستية. إضافة إلى اتساع الرقعة الجغرافية للبلد. لذلك اضطرت الحكومة للاستعانة بالخبرة والإمكانيات الأجنبية وعلى رأسها اسبانيا وفرنسا. وذلك بعقد اتفاقيات تكوين وتمويل بل ومراقبة الدوريات الاسبانية للمياه الإقليمية الموريتانية. إلا أننا نرى أن هذا الحل ليس هو الحل الأمثل لإدارة الهجرة، فالأحسن الاستعانة بالخبرة العربية، وبذل الجهود الموريتانية المخلصة لتفعيل اتفاقيات اتحاد المغرب العربي. وكذلك تحويل وجهة تمويل البرامج الإنمائية نحو المؤسسات المالية العربية والإسلامية، والحفاظ على السيادة الموريتانية ما أمكن ذلك.
*د. مساهل عبد الرحمان أستاذ محاضر بمعهد العلوم الاقتصادية - المركز الجامعي بالبيض -الجزائر
قائمة المراجع: المراجع العربية: - ديدي ولد السالك، الهجرة في موريتانيا : الخصوصيات والتحديات. ورقة مقدمة : لندوة ، "تأثير قضية الصحراء الغربية على مسار البناء المغاربي" المنظمة من قبل المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية، نواكشوط، 17فبراير 2008، منشور في الموقع الرسمي للمركز على الرابط:المراجع الأجنبية:
- Anna Di Bartolomeo, Tamirace Fakhoury Et Delphine Perrin, MAURITANIE : Le Cadre Démographique-Economique De La Migration. CARIM – Profil Migratoire Consortium Pour La Recherche Appliquée Sur Les Migrations Internationales , European University Institute And Robert Schuman Centre For Advanced Studies, Mars 2010
- Abderrahmane El Yessa, L’encadrement juridique des migrations en Mauritanie est-il favorable à la migration circulaire ?: Notes d’analyse et de synthèse . Série sur la migration circulaire module juridique CARIM-AS 2008/27, Projet de coopération sur les questions liées à l’intégration sociale des immigrés, à la migration et à la circulation des personnes, Institut universitaire européen and Robert Schuman Centre for Advanced Studies, Firenze(Italy), 2008.
- Ould Brahim Ould Jiddou Fah, Mauritanie : Migration, Marché Du Travail Et Développement. Document De Travail, Projet De Recherche, Faire Des Migrations Un Facteur De Developpement : Une Etude Sur L'afrique Du Nord Et L'afrique De L'ouest, Organisation Internationale Du Travail (Institut International D'études Sociales) Genève 2010.
- Sidna Ndah Mohamed Saleh,Migration En Mauritanie PROFIL NATIONAL, Organisation Internationale Pour Les Migrations, Genève, 2009.
[1] ديدي ولد السالك، الهجرة في موريتانيا : الخصوصيات والتحديات. ورقة مقدمة : لندوة ، "تأثير قضية الصحراء الغربية على مسار البناء المغاربي" المنظمة من قبل المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية، نواكشوط، 17فبراير 2008، منشور في الموقع الرسمي للمركز على الرابط:http://www.cmesmr.org/index.php/2012-11-05-13-43-01/7-2012-11-25-14-19-06.html [2] ومنهم الدكتور ديدي ولد السالك مدير المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية [3] Anna Di Bartolomeo, Tamirace Fakhoury Et Delphine Perrin, MAURITANIE : Le Cadre Démographique-Economique De La Migration. CARIM – Profil Migratoire Consortium Pour La Recherche Appliquée Sur Les Migrations Internationales , European University Institute And Robert Schuman Centre For Advanced Studies, Mars 2010 [4] Abderrahmane El Yessa, L’encadrement juridique des migrations en Mauritanie est-il favorable à la migration circulaire ?: Notes d’analyse et de synthèse . Série sur la migration circulaire module juridique CARIM-AS 2008/27, Projet de coopération sur les questions liées à l’intégration sociale des immigrés, à la migration et à la circulation des personnes, Institut universitaire européen and Robert Schuman Centre for Advanced Studies, Firenze(Italy), 2008, p.07 [5] Ould Brahim Ould Jiddou Fah, Mauritanie : Migration, Marché Du Travail Et Développement. Document De Travail, Projet De Recherche, Faire Des Migrations Un Facteur De Developpement : Une Etude Sur L'afrique Du Nord Et L'afrique De L'ouest, Organisation Internationale Du Travail (Institut International D'études Sociales) Genève 2010,p.13 [6] استنادا الى الموقع الرسمي لملتقى الحكومة الاسلامية الموريتانيةCRIDEM http://www.cridem.org/C_Info.php?article=652936 [7] استنادا لموقع المدونة الشاملة للمواقع الموريتانية http://rimweb1.blogspot.com/2012_01_01_archive.html [8] Sidna Ndah Mohamed Saleh,Migration En Mauritanie PROFIL NATIONAL, Organisation Internationale Pour Les Migrations, Genève, 2009,pp.69-80 |