قراءة في تقرير مؤسسة برتلسمان (BTI) حول موريتانيا (2012)/ الباحث زيدان ولد ابراهيم |
شهدت موريتانيا في السنوات الأخيرة مجموعة من التغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتي كان للمناخ الإقليمي فيها دور لا يستهان به، حيث لعبت عوامل خارجية كعدم الإستقرار الأمني في شبه منطقة الصحراء وتنامي خطر الجماعات المسلحة وتهريب المخدرات والأسلحة العابر للحدود إلى جانب عوامل أخرى داخلية كالفساد المستشري في مؤسسات الدولية والمحسوبية القبلية وسيطرة العسكر على مفاصل الدولة إلى خلق نوع من اللاإستقرار السياسي أثار مخاوف المجتمع الدولي حول مستقبل البلاد والعباد. وترى التقارير الدولية حول موريتانيا فيما تسميه ضعف وفساد مرافق الدولة والتوترات الإجتماعية والسياسية في الهياكل القبلية القديمة والإنقسامات العرقية العنصرية التاريخية ضغوطا حاسمة ينبغي على الحكومة الموريتانية تخطيها بمساعدة الأطراف الدولية الساعية إلى نشر الأمن والسلام في العالم. وسنحاول في الأسطر التالية بعجالة استقراء أحد تلك التقارير الدولية التي تتخذ من موريتانيا موضوعا لها وذالك استجابة لسياسة تبناها المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية تتمثل في جمع واستقراء اكبر عدد ممكن من التقارير الدولية الأمنية والإجتماعية ... عن موريتانيا وجعلها بين يدي القارئ الموريتاني خاصة والعربي عامة. وستكون البداية مع تقرير مؤسسة برتلسمان (Bertelsmann Stiftung ) الالمانية الصادر 2012 عن موريتانيا؛ وهي أكبر مؤسسة خصوصية غير ربحية في المانيا، أنشأها رينهارد موهن (Reinhard Mohn) سنة 1977 وتمثل نسبة 77.4٪ من منظمة برتلسمان العالمية. ويدخل هذا التقرير في مجموعة تقارير يعدها كل سنتين مؤشر موسسة برتلسمان للتحولات (the Bertelsmann Stiftung’s Transformation Index (BTI)) وهو تقييم عالمي تقوم به المؤسسة لعمليات تحول حالة الديمقراطية واقتصاد السوق والإدراة السياسية في 128 بلد نامي حول العالم. 1- بين يدي التقرير: تحت عنوان "تقرير موريتانيا " بدأت الدراسة التي أعدها مؤشر مؤسسة برتلسمان للتحولات عن موريتانيا بتحديد موقعها في 128 دولة التي يهتم بها. حيث وصل مؤشر التحولات السياسية إلى 4.50 من عشرة أي الرتبة 83 من 128، ووصل مؤشر التحولات الإقتصادية إلى 4.32 من عشرة أي الرتبة 99 من مجموع بلدان الدراسة، ووصل تعداد السكان إلى 3.5 مليون نسمة ومعدل نموه إلى 2.4 % للعام حيث يبلغ متوسط العمر 58 سنة؛ في حين بلغت نسبة التحضر 41.4% والفقر 44.1% من السكان يعيشون بأقل من (2$)دولارين يوميا. علِقت موريتانيا ولمدة ثلاثين سنة في وحل حكم العسكر وسلسلة من الانقلابات منذ 1978 حيث قبض الجيش بقبضة من حديد على مقاليد الحكم، وقد أطيح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا سيدي ولد الشيخ عبد الله من طرف الجنرال محمد ولد عبد العزيز بعد 17 شهرا فقط من الحكم لينظم قائد الانقلاب بعدها إنتخابات رئاسية ويفوز بها 2009. ومنذ ذالك الحين وحزبه الحاكم (الإتحاد من أجل الجهمورية) يسيطر على غرفتي البرلمان الجمعية العامة ومجلس الشيوخ، ورغم ذالك لم تتراجع مستويات حرية التعبير والتجمع مما يدل على أن النظام الحالي لايزال يسمح بقدر من الحريات الديمقراطية. وقاد ولد عبد العزيز حملات مكافحة الرشوة والفساد وذكر أنهما تضران الاقتصاد ومع ذلك لم تطل حملات مراجعة الحسابات ومكافحة الفساد وكالات يديرها ضباط عسكريون أو مناصرين الرئيس. زيادة على ذالك تواجه موريتانيا ـ حسب التقريرـ تحديات عدة منها عدم تنوع الاقتصاد واعتماده شبه الكلي على تجاذبات أسعار الموارد الطبيعية عالميا، ومستويات الفقر المرتفعة في البلاد والإقصاء السياسي لإحدى أكبر شرائح المجتمع شريحة لحراطين (الأرقاء السابقين) والتهديد المستمر للجماعات المسلحة بالإضافة إلى شعور الاقليات الزنجية المنتشرة على ضفة نهر السنغال بمحدودية تمثيلهم في أجهزة الدولة وانتظارهم أعتراف الحكومة الكامل بضلوع بعض قواتها العسكرية في مجازر 1989- 1991 على حد وصف التقرير. تاريخيا، منذ الاستقلال كانت موريتانيا ذالك البلد الفقير الذي يعتمد بشكل أساسي على المساعدات الإجتماعية، وبعد فترة من الركود الإقتصادي (1975- 1984) وتراجع أسعار معدن الحديد والجفاف ومخلفات حرب الصحراء 1975، أنشأت موريتانيا لأول مرة برنامجا لإعادة البناء بالتعاون مع صندوق النقد الدولي 1985 والبنك الدولي. وقد تعززت هذه التحديات السوسيو إقتصادية بتحديات أخرى من قبيل التوترات السياسية التي ضربت في صميم الهوية الوطنية وتسييسها بين المجموعات الناطقة بالعربية (البيضان ولحراطين) والاقليات الإثنية غير الناطقة باللغة العربية (الهارلبولار والولوف والسونينكى والبمبارا) ماحدا بالدولة إلى خوض عدة حروب سياسية على سياساتها اللغوية والتعليمية ... وقد أدت التوترات المتزايدة إلى أحداث 1989-1991 حيث رحّل العسكر حوالي 80000 من الزنوج وقتل الميئات وسرح الآلاف حسب التقرير. هذا وينظر إلى لحراطين كمواطنين من الدرجة الثانية يعيشون على الهامش الإجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع وتسعى منظمات كحركة "الحر " إلى تحريكهم رغم انضمام بعضهم إلى الحزب الحاكم والبعض الآخر إلى المعارضة. وفي سنة 1991 تبنى العقيد معاوية ولد الطايع دستورا ديمقراطيا جديدا للبلاد على ضوءه نظمت انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية، ولكنها انتهت بسيطرة الحزب الحاكم (الحزب الجمهوري الديمقراطي الإجتماعي) على الجمعية التشريعية (حيث شغلت المعارضة مقعدا واحدا لمدة عشر سنوات وأربع فقط بين 2003-2005). وتزايدت حدة الإستقطاب الإجتماعي وتفشي ظاهرة الزبونية والمحاباة وتطبيع العلاقات من الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل التي لم يؤيدها أغلب الشعب وهو ما أعطى للمعارضة الإسلامية مبررات كافية لتحريك أنصارها ضد الرئيس. في 3 من أغسطس 2005 أطيح بولد الطايع من طرف أقرب مقربيه مدير الأمن الوطني أعل ولد محمد فال وقائد الحرس الرئاسي العقيد محمد ولد عبد العزيز بحجة محاربة الفساد والتوزيع العادل لعائدات النفط ... وقد شهدت الفترة الإنتقالية إنتخابات البلدية (2006) والتشريعية (2006) والرئاسية (2007) الأكثر شفافية في تاريخ البلد. بعد 17 شهرا فقط أطيح بالرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله وأدين انقلاب ولد عبد العزيز على نطاق واسع من طرف الشركاء الاقتصاديين والإتحاد الإفريقي، وبعد أشهر من المداولات بينه وبين أحزاب المعارضة قُرر إجراء انتخابات في 2009 برعاية حكومة وحدة وطنية. فاز ولد عبد العزيز في الشوط الأول بنسبة 53%وفاز حزبه الحاكم (الإتحاد من أجل الجمهورية) الذي تضمن وجوها من عهد ولد الطايع ب 14 من اصل 17 مقعدا في انتخابات مجلس الشيوخ نوفمبر 2009. وقد دخلت موريتانيا منذ 2005 في حرب مفتوحة ضد القاعدة حيث استهدفت الجماعة المسلحة ثكنات عسكرية في البلاد وأختطفت وقتلت حوالي عشرة أجانب، ماجعل الغرب خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية يخصانها بدعم مادي وعسكري ودبلوماسي مباشر. تعرض التقرير الذي يناقش الوضعية الأمنية والإجتماعية والسياسية لموريتانيا في 33 صفحة للمشاكل التي تهدد موريتانيا من خارجها وتطرق لحصيلة هجمات تنطيم القاعدة على موريتانيا منذ 2005، ورغم أنها ـ أي القاعدة ـ تتخذ من الأراضي المالية مقرا ثابتا لها إلا أنها أستطاعت أن تنفذ عمليات في قلب العاصمة الموريتانية ( كالعملية الإنتحارية التي استهدفت السفارة الفرنسية ومقتل أمريكي في حي لكصر ...) وبعض المدن الداخلية والثكنات العسكرية على حدودها كأختطاف ثلاث إسبانيين نفمبر 2009 وإيطاليين دسمبر من نفس العام وعمليتي لمغيطي وتورين قبل ذالك، ويرى التقرير أن قلة الكثافة السكانية واتساع الرقعة الجغرافية يعرقلان كثيرا جهود الحكومة في محاولة السيطرة على مساحتها في حين قد تسد الاستخبارات البشرية في مجتمع متماسك نسبيا كالمجتمع الموريتاني تلك الفجوة مؤقتا؛ كما تعرض ـ أي التقرير لعمليات التهريب العابرة للحدود في الشمال والشرق الموريتانيين الذي يبدو رغم شح المصادر أنه في ازدهار مستمر. وقد أستحدثت الحكومة الموريتانية مقاطعة جديدة سمتها مقاطعة أظهر لتعزيز وجودها في تلك المناطق النائية. وفي معرض طرحه لأحتمال ضلوع بعض ضباط الدولة في عمليات التهريب بشكل مباشر أو غير مباشر عرج التقرير على مفهومي الهوية الوطنية والمواطنة ومدى تجذرهما في العقلية الموريتانية. وبالعودة إلى الوراء قليلا، يعتبر التقرير أن تهميش الأقليات الزنجية ( الهالبولار والولوف والسنونكي والبمبارا) و شريحة الأرقاء السابقين أو ما يعرف بلحراطين وعدم إدماجهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلد هو ما يطرح أكبر تحد أمام هوية البلد، يضاف إلى ذالك عوالق مسألة العائدين كاسترجاعهم لأراضيهم وإدماجهم بشكل كلي في الحياة الإجتماعية بما فيها فرص التشغيل والخدمات التعليمية وتعطيل إو إلغاء قانون العفو (1993)الذي يختبأ وراءه الجناة. وقد فتح ملف المبعدين بعد سقوط ولد الطايع وتمكنت الحكومة الموريتانية عبر الوكالة الوطنية لدعم وإدماج اللاجئين من إيواء 20000 لاجئ أي ما يعادل 5000 أسرة موزعة 118 نقطة على طول نهر السنغال حسب إحصائيات الوكالة عينها. لم تتغير بشكل فعلي وضعية شريحة الحراطين في موريتانيا في 2009-2011، ولم تحسم بشكل عادل قضية أي حالة من حالات الإستعباد منذ سن قانون تجريم العبودية 2007؛ وتعزو منظمات حقوق الإنسان ذالك إلى عدم تعاطي السلطات بشكل جدي مع الحالات التي يتم التبليغ عنها من طرف إحدى المنظمات المحلية المهتمة بالموضوع وحماية الاسر المتهمة بالاسترقاق بسلطة المجتمع، وقد أعتقل قادة إحدى المنظمات المحلية التى تدافع عن حقوق العبيد في دجمبر 2010. كما أن دور الإسلام كدين للدولة يلفه غموض ملحوظ، ففي حين تعتبر موريتانيا جمهورية إسلامية والإسلام دين الدولة تزاوج مؤسسات الدولة بين التشريعات الإسلامية والقوانين العلمانية كجمع القانون الجنائي مثلا لتعليمات مستمدة من النصوص الشرعية وأخرى من قانون العقوبات الفرنسي. كما تلتزم موريتانيا بمعظم الإتفاقيات الدولية بما فيها الإعلاني (العلماني) العالمي لحقوق الانسان. 2- المشاركة السياسية: شكك التقرير الصادر 2012 والذي أعده مؤشر مؤسسة برتلسمان للتحولات (the Bertelsmann Stiftung’s Transformation Index (BTI)) بقوة في شفافية إنتخابات 2009 التي قادت الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم من حيث حرية التصويت في مكاتب الاقتراع وعمل اللجنة المستقلة للإشراف على الإنتخابات وسرعة إعلان النتائج (يومين فقط)، ليخلص إلى أن الإنتخابات لا يمكن أن تتم بشفافية بفعل تأثير وقوة الفيتو العسكري. يلاحظ مند حرب الصحراء 1975-1978 دورا متناميا للنفوذ العسكري في موريتانيا بلغ أوجه في الحكم العسكري مابين 1978-1991 حيث أصبحت المؤسسة العسكرية هي صانع القرار الفعلي في موريتانيا، ورغم أن حكم الرئيس ولد الطايع ما بعد 2001 يوصف بالمدنية والديمقراطية إلا أنه في الواقع كان حكما شموليا دكتاتوريا. وكان تأثير العسكر على المؤسسات المنتخبة واضحا في فترة سيدي ولد الشيخ عبد الله (مارس 2007- أغسطس 2008) حيث كان القائد الفعلي لإنقلاب 2005 ولد عبد العزيز رئيس حرسه الخاص ورقاه إلى رتبة جنرال (ثاني جنرال في تاريخ البلد) ولكن ما إن أقاله من منصبه حتى أنقلب عليه ونظم انتخابات 2009 التي فاز بها. إن المؤسسة العسكرية في موريتانيا هي الفيتو الحقيقي الفاعل في المشهد السياسي الموريتاني. شهدت حرية التعبير في فترة ولد عبد العزيز تقدما ملحوظا نحو الأفضل. هذا ماخلص إليه التقرير بعد مناقشة وضعية حق التجمع وحرية الصحافة منذ 1990 إلى 2012. سمحت الحكومة بعد سقوط ولد الطايع 2005 للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بالتجمع والاحتجاج بحرية نسبية ومن دون مشاكل تستحق الشجب، إلا ما كان من رفض وزارة الداخلية إعطاء ترخيص رسمي لأحدى منظمات مناهضة الرق (إيرا) وسجن رئيسها 2010 قبل إطلاق سراحه فيما بعد. أحترمت الحكومة للشعب حق التظاهر حيث يسمح على نطاق واسع للصحافة والأفراد بقول ماشاءوا من دون تعرض لهم إلا في حالة ما إذا كان الموضوع الرشوة حسب التقرير. تتحكم السلطة في التلفزة والإذاعة الرسميتان ولكن وعود السلطة العليا للسمعيات البصرية (الهابا) بتحرير مجال البث السمعي البصري تبشر بفتح آفاق جديدة للإعلام والترخيص لحزب إسلامي 2007 بآفاق جديدة لحرية الممارسة السياسية. وقد نالت موريتانيا الرتبة 112 في مجال حرية الصحافة من أصل 192 حسب إحصائيات المؤشر العالمي لحرية الصحافة. 3- سيادة القانون لقد أنخفض نسبيا مستوى التعرض للحقوق المدنية، ولكن مشكلة حقوق الشخص حسب التقرير هي إخضاعها لمؤثرات خارجية كعرقه ومكانته الإجتماعية وخلفية أسرته... تعرض التقرير إلى وضعية السجناء الذين طالهم قانون الإرهاب الجديد 2010 وانتقد زيادة فترات إعتقال السجناء من دون محاكمات وسوء ظروف الاعتقال الذي نددت به منظمات حقوقية محلية ومنظمة العفو الدولية وبعض الصحف المحلية، وهو ما أدى إلى وفاة عشرات السجناء حسب التقرير. لاشك أن الممارسات القمعية بشكل عام والذي يتعلق منها بحرية التعبير بشكل خاص تقلصت بعد 2005، أصبح بإمكان أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني أنتقاد النظام من دون خوف من القمع على عكس بلدان إفريقية أخرى. 4- التحولات الإقتصادية: يبلغ الناتج المحلي للفرد في موريتانيا 2,118 وتعيش 44% من سكانها على $2 يوميا و بذالك أحتلت الرتبة 154 حسب مؤشر التنمية البشرية 2010؛ ويرى التقرير أن هناك عوائق سوسيو-إقتصادية كبيرة تحددها أحيانا خلفية المواطن العرقية واللغوية والمهنية. هناك استثناءات كما أن هناك من اجتازو تلك المتاريس، ولكن أغلبية شريحة لحراطين بقيت في أسفل الهرم الإجتماعي الإقتصادي في الموريتاني. وقد وصل الناتج الإجمالي المحلي لسنة 2010 ـ حسب (مؤشرات التنمية في العالم) الصادر عن البنك الدولي 2011، و(آفاق الاقتصاد العالمي) الصادرة عن صندوق النقد الدولي2011 كذالك ـ إلى 3636.3 مليون دولار بنسبة نمو تصل إلى 5.0%، كما وصل معدل الإستثمار الخارجي إلى 0.4% من إجمالي الناتج المحلي في حين وصلت الديون الخارجية لنفس السنة 2010 إلى 2461.3 مليون دولار ونفقات الحكومة إلى 17.8% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تم استصلاح الجانب القانوني للإقتصاد على نطاق واسع بعد أعتماد العديد من القوانين بهدف ضبط وليبرالية الإقتصاد بما فيها قانون المعادن (1999) قانون الصيد البحري (2000) وقانون الإستثمارات (2002) قانون العمل الجديد (2004) ومراجعة نظام الضرائب للنفط والغاز الطبيعي (2004). وتهتم اللجنة المركزية للصفقات العمومية بالسهر على شفافية الصفقات والمناقصات التي تعلن عنها الدولة ومنع تدخلها التسعفي في سير تلك العمليات، ولكن الإعلام المحلي تجاهل حالات عديدة لم تخضع فيها تلك الصفقات للشفافية المطلوبة والمنافسة الحرة. كما يشير التقرير بعجالة إلى سياسة الإحتكار التي تشوب السوق الموريتانية وليبرالية الاقتصاد ليخلص إلى أنه من النشاطات التي شهدت نموا ملحوظا مؤخرا تهريب البضائع عبر الحدود الدولية والسجائر والسيارات المسروقة من أروبا والمخدرات المجلوبة من أمريكا اللاتينية وبلدان غرب إفريقيا. ونظرا لعدم تنويع الاقتصاد ومحدودية المصادر الطبيعية الموريتانية (غاز – معادن – سمك) مقارنة مع حجم الصادرات ( مواد غذائية – وقود – غاز طبيعي ...)، يرى التقرير أن موريتانيا تبقى عرضة لتقلبات الأسعار العالمية والتضخم ومناورات صرف العملات الأجنبية. تقسم المؤسسات الإقتصادية في موريتانيا إلى أربعة انواع : 1) مؤسسات مملوكة للدولة أهمها الشركة الوطنية للصناعة والمعادن (سنيم). 2) تكتلات اقتصادية مملوكة لوجوه قبيلية تتمتع باحتكار السوق (البنوك – التأمين – شركات النقل – الاستيراد والتصدير – المواصلات ...)، 3) شركات النفط والمعادن الاجنبية ( كينروس و MCM...) ، 4) مؤسسات إقتصادية صغيرة مملوكة لعائلات ... ولكن عائقين كبيرين يرى التقرير انهما يمنعان هذه المؤسسات من النهوض بالاقتصاد الموريتاني، أولهما تنصيب مدير البنك المركزي الموريتاني من طرف رئيس الدولة مما يرجح تقييد حرياته وإخضاعها لرغبات ولي نعمته وثانيهما هو الإسراف في الصرف على الجيش في حربه على القاعدة وبرامج تأهيل أحياء لأولاد البيضان وشق طرق العاصمة بشكل ينهك خزينة الدولة. 5- إدارة التحولات: تعتبر موريتانيا مقيدة بقيود هيكلية عظمى : - على المستوى الإقليمي : ظهور حركة إسلامية عابرة للحدود - وعلى المستوى الوطني : المساحة الشاسعة وقلة السكان والمناخ الصحراوي وزحف الرمال جنوبا مما يهدد المناطق الزراعية على طول نهر السنغال... ومع أن موريتانيا تتمتع بقدر من الموارد الأولية إلا أن اقتصادها يبقى رهن هيمنة شخصيات من قبائل مؤثرة، وفي حين يعتبر النفط والمعادن أهم مصادر البلد الاقتصادية لايحركان بالكاد 5% من اليد العاملة؛ بالاضافة إلى أن أغلب منظمات المجتمع المدني المنوط بها توعية المجتمع هي غذائف فارغة أو تدار من طرف أشخاص يدورون في فلك الحكومة، وقد بدأ القليل منها مؤخرا في استغلال الوسائط الألكترونية لإسماع صوته ولكنه يركز أساسا على الدفاع عن العبيد أو حقوق المرأة. نوقشت في الفترة من 2005-2007 بشكل واضح ومباشر أغلب مشاكل البلد بما فيها الهوة الإجتماعية والإقتصادية السحيقة بين ثلة من النخبة الاقتصادية والعسكرية القوية وبين بقية الشعب، ومشاكل القضاء والنطام القانوني بشكل عام، ويذكر التقرير بما يسميه الخطوات الإيجابية كالدور الاستباقي الذي تطلعت به المفتشية العامة للدولة، وإنشاء مشاريع تنموية موجهة إلى طبقة لحراطين واحترام حرية التعبير وانتقاد الحكومة، لكن في المقابل رفض الحكومة التعرض لوجوه معروفة بالفساد وعودة أخرى معروفة في عهد ولد الطايع والتمثيل الضعيف لشريحة الحراطين والشرائح الزنجية الأخرى في مرافق الدولة وعدم تفعيل قانون تجريم العبودية. كما يشك التقرير هل تم أعتقال كبار قادة الجيش النافذين والفاعلين في اقتصاد البلد خلال الاعتقالات التي تمت مصداقا لشعار ولد عبد العزيز "محاربة الفساد"؟ وينتقد سيطرة الحزب الحاكم ( الإتحاد من أجل الجمهورية ) ويشبهه بالحزب الجمهوري الديمقراطي الإجتماعي الحاكم في عهد ولد الطايع. وفي الأخير قيم التقرير مجموعة من الممارسات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عهد الجنرال محمد ولد عبد العزيز على عشرة فكان تقييمة كالتالي: هوية الدولة 6/10، حرية وشفافية عمليات الاقتراع 5/10، حق التجمع 8/10، حرية التعبير 7/10، فصل السلطات 4/10، إستقلالية القضاء 4/10، الحقوق المدنية 6/10، أداء المؤسسات الديمقراطية 3/10، المنافسة القائمة على آليات السوق 3/10، سياسة مكافحة الاحتكار 2/10، النطام المصرفي 4/10، حقوق الملكية 5/10، السياسة البيئية 4/10، سياسة التعليم 3/10، تحديد الاولويات 4/10، سياسة مكافحة الفساد 4/10، مشاركة المجتمع المدني 5/10، المصداقية 7/10، وخلص التقرير إلى التوصيات والنقاط التالية : - التحدي الأكبر لموريتانيا هو بناء مؤسسات شرعية تناسب التطلعات الدولية والمحلية. - القبضة الواقعية للعسكر يعززها وجود طقمة من الزبونيين والاعيان المحليين ورجال أعمال كانو ا يغذون نطام العقيد ولد الطايع. - لاتوجد ضمانات تضمن أن العسكر سيتنحى بصفة سلمية ويترك الحكم للمدنيين. - يعتبر تحقيق الوحدة الوطنية تحديا كبيرا، ينبغي أن يشعر الاقليات الزنجية أنهم مواطنون موريتانييون وذلك بالغاء الحكومة لقانون العفو 1993 والسماح بفتح تحقيقات في أحداث 1989-1991. - ينبغي السماح لمؤسسات مكافحة الرشوة بإكمال مهمتها والسماح للمفتشية العامة للدولة بالتحقيق مع جميع الوكالات بما فيها التي يديرها أو يملكها ضباط الجيش... خاتمة: حاول التقرير الذي أعده مؤشر مؤسسة برتلسمان للتحولات في 33 صفحة عن موريتانيا أن يحيط بمختلف الأسئلة التي تطفوا على السطح السياسي والسوسيو-إقتصادي الموريتاني، وقد وفق إلى حد ما في ذلك. ولم يسلم التقرير من بعض المبالغة في تحليله لبعض المعطيات كحديثه عن أرتياد ابناء شريحة لحراطين فقط للمدارس العمومية قليلة التمويل، ضعيفة الكادر البشري ... ولاشك أن مجمل التقارير الدولية تدرس حالة أي من البلدان النامية من خارجه وتعتمد في تلك الدراسة عادة على بعض الناشطين من ابناءه الذين قد يحاولون بدورهم إرسال رسائل تخدمهم أو تخدم توجهاتهم مما يؤثر في موضوعية الطرح، ومع ذلك فقد ناقش التقرير أهم العوالق السياسية والاقتصادية واقترح لها حلولا تستحق الاهتمام. |